سورة النور - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)}
قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ} يعني المنافقين، يقولون بألسنتهم آمنا بالله وبالرسول من غير يقين ولا إخلاص. {وَأَطَعْنا} أي ويقولون، وكذبوا. {ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}.


{وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)}
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} قال الطبري وغيره: إن رجلا من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة في أرض، فدعاه اليهودي إلى التحاكم عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان المنافق مبطلا، فأبى من ذلك وقال: إن محمدا يحيف علينا، فلنحكم كعب بن الأشرف، فنزلت الآية فيه.
وقيل: نزلت في المغيرة بن وائل من بنى أمية، كان بينه وبين علي بن أبى طالب رضي الله عنه خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم عليا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال: إنه يبغضني، فنزلت الآية، ذكره الماوردي. وقال: {لِيَحْكُمَ} ولم يقل ليحكما لان المعنى به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما بدأ بذكر الله إعظاما لله واستفتاح كلام.
الثانية: قوله تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} أي طائعين منقادين، لعلمهم أنه عليه السلام يحكم بالحق. يقال: أذعن فلان لحكم فلان يذعن إذعانا.
وقال النقاش: {مُذْعِنِينَ} خاضعين، ومجاهد: مسرعين. الأخفش وابن الاعرابي: مقرين. {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} شك وريب. {أَمِ ارْتابُوا} أم حدث لهم شك في نبوته وعدله. {أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} أي يجور في الحكم والظلم. وأتى بلفظ الاستفهام لأنه أشد في التوبيخ وأبلغ في الذم، كقوله جرير في المدح:
ألستم خير من ركب المطايا *** وأندى العالمين بطون راح
{بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي المعاندون الكافرون، لإعراضهم عن حكم الله تعالى الثالثة: القضاء يكون للمسلمين إذا كان الحكم بين المعاهد والمسلم ولا حق لأهل الذمة فيه. وإذا كان بين ذميين فذلك إليهما. فإن جاءا قاضى الإسلام فإن شاء حكم وإن شاء أعرض، كما تقدم في المائدة.
الرابعة: هذه الآية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم لان الله سبحانه ذم من دعى إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} الآية. قال ابن خويز منداد: واجب على كل من دعى إلى مجلس الحاكم أن يحيب، ما لم يعلم أن الحاكم فاسق، أو عداوة بين المدعى والمدعى عليه. وأسند الزهراوي عن الحسن ابن أبى الحسن أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من دعاه خصمه إلى الحاكم من حكام المسلمين فلم يجب فهو ظالم ولا حق له». ذكره الماوردي أيضا. قال ابن العربي: هذا حديث باطل، فأما قوله: «فهو ظالم» فكلام صحيح، وأما قوله: «فلا حق له» فلا يصح، ويحتمل أن يريد أنه على غير الحق.


{إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)}
قوله تعالى: {إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي إلى كتاب الله وحكم ورسوله. {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا} قال ابن عباس: أخبر بطاعة المهاجرين والأنصار، وإن كان ذلك فيما يكرهون، أي هذا قولهم، وهؤلاء لو كانوا مؤمنين لكانوا يقولون سمعنا وأطعنا. فالقول نصب على خبر كان، واسمها في قوله: {أَنْ يَقُولُوا} نحو: {وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا} [آل عمران: 147].
وقيل: إنما قول المؤمنين، وكان صلة في الكلام، كقوله تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29]. وقرأ ابن القعقاع {ليحكم بينهم} غير مسمى الفاعل. علي بن أبى طالب {إنما كان قول} بالرفع.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12